شعب يكيل الصاع صاعين
ا
منذ إعلان الجمهورية الصحراوية و المملكة المغربية تواجه شعبا لا يقبل الهزيمة، لا يستسلم و لا يقبل بديلا عن السيادة و الحرية.
لم يكن إعلان الجمهورية الصحراوية يهدف الى سد الفراغ القانونى الذى نتج عن الإنسحاب المخجل و المفاجئ لإسبانيا، القوة المديرة للإقليم، كما يزعم البعض و إنما أرادت الجبهة الشعبية بقيادة الشهيد الولى مصطفى السيد من وراء قرارها التاريخى سد الباب أمام الحلول التى تسعى إلى مصادرة الحقوق المشروعة للشعب الصحراوى و فى مقدمتها حقه في السيادة على وطنه.
المعضلة التى يحاول محمد السادس و نظامه تجاوزها عن طريق القفز على الحقائق و الحقوق هي الورطة نفسها التى فهم الحسن الثاني بشانها، بعد 16 سنة من الحرب الشرسة و المعارك الديبلوماسية، أن التخلص منها لن يكون إلا من خلال المرور عبر بوابة الشرعية الدولية.
قبول الحسن الثاني، الذي كان المسير اليومى و الفعلى للمعركة على كل الاصعدة، بالاستفتاء شكل قرارا استراتيجيا أراد من خلال الخروج بعرشه و بالمملكة المغربية إلى شاطئ النجاة.
لقد قبل الحسن الثاني باستفتاء تقرير المصير و أعلن رسميا فى أكثر من مناسبة قبول نتائجه حتى إذا كانت عكس الأطروحة المغربية. و اذا كان قد عمل على ربح الاستفتاء الا انه و في نفس الوقت أعطى إشارات واضحة لتحضير الرأي الداخلى للقبول بالتعايش السلمى مع الدولة الصحراوية و كان ذالك عبر تصريحات و خطابات رسمية.
توقيع المملكة المغربية على مخطط التسوية الاممى الافريقى لسنة 1991 فتح الباب أمام الحل الديمقراطى الذى يعتبر الحل الوحيد لأنه هو الحل الوسط ، و الحل الواقعى و التوافقى بالإضافة إلى أنه يتماشى مع أحكام الشرعية الدولية و الطبيعة القانونية للقضية الصحراوية.
محاولة نجله محمد السادس و طاقمه المقرب التملص من التزامات المغرب مع جبهة البوليساريو و مع الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية/ الإتحاد الأفريقى ادخل المغرب في طريق مسدود.
عشرون سنة من حكم محمد السادس اثبتت ان ما قرره الحسن الثانى كان أفضل خيار للمغرب و اقله تكلفة و اكثره أمنا.
المشكلة تكمن في أن المستشارين الجدد للقصر اظهروا نقصا كبيرا فى المعرفة و المهنية و لم يكونوا قادرين على حماية القرارات الملكية من السقوط في التهور و الارتجال و الميول الدائم الي ردات الفعل الباهظة الثمن.
و ما تسويقهم لتصريحات بروتوكولية و شكلية لبعض زوار المملكة او حتى لمسؤولين كبار في دول عظمى بخصوص المقترح المغربى لتشريع احتلال الصحراء الغربية و كأنها مواقف حقيقية او جدية الا دليل على الإفلاس و التخبط. و كان إدريس البصري وزير الداخلية في حكومة الحسن الثاني و الرجل القوي في عهده قد تحدث بسخرية كبيرة عن المستشارين الجدد للقصر و عن ما يسمى بمقترح الحكم الذاتي الذي قال عنه ان:” من قدمه لا يريد حلا لقضية الصحراء الغربية و إنما سيخلق مشكلا داخليا عويصا للمغرب نفسه” و قال ان الاستفتاء هو “الخيار الاوحد الذى ينهى النزاع بصفة سلمية و دائمة و هذا ما قرره الحسن الثاني”.
ان كل ما اقدم عليه محمد السادس و ديبلوماسيته التي تعتمد على شراء الذمم و عمل اللوبيات و بيع المواقف السيادية في سوق النخاسة و التخلي عن شرف الشعب المغربى و افقاره و تجهيله لن يعطي للمغرب ابدا السيادة علي الصحراء الغربية.
و مهما اشترت الرباط من تقارير تحت الطلب و من قصصات الأقلام الماجورة و ما نظمت من ندوات و مؤتمرات و تظاهرات فإن ذالك كله لن يمنع النهاية الحتمية للاحتلال لأن الشعب الصحراوي واع تمام الوعي بأن معركة السيادة هي قبل كل شىء صراع ارادات.
إن تغييب القصر الملكي لدولة الإحتلال لأهم عامل في المعادلة و هو إرادة الشعب الصحراوي افسد كل حسابات محمد السادس و مستشاريه.
و بما ان الجالس الحالي على العرش في دولة الاحتلال لا يمتلك القدرة على إتخاذ القرار الحاسم للخروج من الورطة فإن المزيد من الوقت سيجعل الفاتورة كل مرة اكبر لأن الشعب الصحراوي يعرف كيف يكيل الصاع صاعين.