صحيفة تونسية تجري حوارا مع السفير الصحراوي ببوتسوانا تحت عنوان “الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار لم يكتمل بعد”
قضية الصحراء الغربية، قضية مغاربية، أفريقية دولية تحظى باهتمام كبير في اوساط الرأي العام الأوروبي والأفريقي خصوصا، لما تمثله من خطورة كونها قضية قانونية تهم القانون الدولي والأفريقي والأوروبي أيضا، وتجري بها معارك طاحنة اقتصادية وسياسية في كواليس الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وغيرها.
وللحديث عن هذا النزاع الذي طال انتظاره وهو آخر نزاع تصفية استعمار قائم في أفريقيا منذ منتصف الستينات التقت حقائق اون لاين بالكاتب والصحفي الصحراوي، ماء العينين لكحل، الذي يشغل حاليا منصب سفير الجمهورية الصحراوية لدى جمهورية بوتسوانا وكان الحوار التالي:
أجرى الحوار مراد بن جمعة
ما هي طبيعة قضية الصحراء الغربية؟ وما هي أهم المحطات التي شهدتها هذه القضية؟
قضية الصحراء الغربية هي آخر قضية تصفية استعمار في القارة الأفريقية. هكذا تعالجها الأمم المتحدة كل سنة أمام اللجنة الرابعة المكلفة بتصفية الاستعمار التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تتبنى سنويا قرار بشأنها، مثلما يعالجها مجلس الأمن مرتين في السنة خلال السنتين الأخيرتين. ولقد مرت بمراحل متعددة فخلال ستينات القرن الماضي كان الصحراء الغربية (التي كانت تعرف تاريخيا باسم الساقية الحمراء ووادي الذهب) قد سجلت كقضية تصفية استعمار في لائحة الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار، حيث طالبت الأخيرة اسبانيا، القوة الاستعمارية في الصحراء الغربية آنذاك، أن تنظم استفتاء لتقرير مصير شعب الإقليم، لكن بدلا من ذلك عملت اسبانيا على التآمر مع البلدين الجارين، المغرب وموريتانيا، لتوقع معهما اتفاقية ثلاثية سرية، سمحت لهما بموجبها بغزو البلد، وتقاسمه بينهما مثلما تتقاسم كعكة، بشرط أن تحتفظ مدريد بمصالحها الاقتصادية في استثمار ثروات البلد الغني بالفوسفاط والثروات السمكية.وهكذا كان الغزو الثنائي المغربي الموريتاني للصحراء الغربية سنة 1975، علما أن هذين البلدين لم يطالبا قبل ذلك قط بالصحراء الغربية، ولا بذلا أي جهود لمساعدة شعبها في مقاومته التي لم يتوقف يوما عن بذلها ضد الاحتلال الاسباني بل تركه النظامان المغربي والموريتاني وحيدا في مواجهة الاستعمار الاسباني، ولما اقترب من تحقيق استقلاله انقضا عليه لتقاسم أرضه وخيراته بدل مساعدته على بناء دولته المستقلة، الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، التي أعلنت جبهة البوليساريو (الاسم المحتصر لحركة تحرير الصحراء الغربية، أي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) إقامتها يوم 27 فبراير/فيفري 1976 يوما واحدا بعد إعلان اسبانيا انسحابها من البلد من طرف واحد. وجبهة البوليساريو، للتذكير أسست يوم 10 ماي 1973، لتوحد كافة مجموعات المقاومة الصحراوية التي سبقتها، ولتعتمد الكفاح المسلح ضد اسبانيا بعد فشل كافة الأساليب السلمية في اقناع مدريد بالتخلي عن احتلالها البلد. وبعد الغزو المغربي الموريتاني، اضطرت الجبهة لمواجهة البلدين الشقيقية عسكريا، لتنجح في تحييد موريتانيا التي انسحبت من النزاع ووقعت اتفاق سلام مع الجمهورية الصحراوية سنة 1979، ولتتواصل المعارك الطاحنة ضد الجيش المغربي إلى غاية 1991، تاريخ نجاح الأمم المتحدة في إقناع الطرفين بوقف اطلاق النار، والدخول كطرفين في مسلسل سلام أممي-أفريقي ما يزال ساريا رغم أنه لم ينجح بعد في إنهاء النزاع، هذا باختصار.
ما هي الاهمية التي تكتسيها هذه القضية اقليميا و دوليا؟
قضية الصحراء الغربية، ورغم عدم انتباه الكثيرين لها، إلا أنها إحدى القضايا الأفريقية والدولية القليلة التي يمكن أن تؤثر سلبا أو إيجابا على منظمتي الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، كيف؟ أولا، ينبغي الإنتباه إلى أنها قضية تصفية استعمار كما قلنا بالنسبة للأمم المتحدة، التي لديها مبادئ راسخة وقوانين واضحة متعلقة بطرق تصفية الاستعمار. وبالتالي فأي فشل أممي في حل هذا النزاع وفقا للقانون الدولي القائم سيعني حتما توجيه ضربة قوية للقانون الدولي وللعلاقات الدولية بين الأمم بشكل عام بمعنى، لو فشلت الأمم المتحدة في إقناع المغرب بالتخلي عن مساعيه لفرض سيطرته التوسعية على تراب الصحراء الغربية فستفتح بذلك أبواب جهنم في مناطق كثيرة، لأن أي نجاح للمغرب في التوسع على حساب الصحراء الغربية سيعني تحقيق سابقة في العلاقات الدولية وتقديم مبرر لدول أخرى لغزو جيرانها والتوسع على حسابها، وهو ما يعتبر أمرا مرفوضا في العلاقات الدولية (مبدأ عدم التوسع بالقوة العسكرية). وبالنسبة للاتحاد الأفريقي، علينا أن نتذكر بأن الوحدة الأفريقية قد بنيت بالأساس على مجموعة من المبادئ، أهمها على الاطلاق مبدأ احترام الحدود الموروثة إبان الاستقلال، لماذا؟ لأن الدول الأفريقية مبنية أساس على حدود رسمتها القوى الاستعمارية، وهي في الكثير من الحالات حدود لم تحترم لا التاريخ ولا الحقائق الجغرافية والإثنية للقارة، مما خلق تقسيما عشوائيا في الكثير من الحالات. ولكن، أدرك قادة القارة منذ الستينات أن فتح مشكلة الحدود بين الدول، ومحاولة تغييرها سيرمي بجميع الشعوب الأفريقية في حروب حدود كارثية لا تنتهي، إذا، محاولة المغرب ضم أراضي الصحراء الغربية بالقوة هو أولا انتهاك لمبدأ قدسية الحدود، وثانيا محاولة للتوسع باستعمال القوة العسكرية، وهو أمر مرفوض أيضا من قبل القانون الدولي والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي. إذا، يمكن القول أن قضية الصحراء الغربية وطريقة حلها ستحدد مصير ميثاق الأمم المتحدة ومصير الاتحاد الأفريقي، فإما يتم تطبيق القانون الدولي والأفريقي كما هما، أو يتم توجيه ضربة موجعة لهما وينجح المغرب ومن يقف وراءه في فرض قانون الغاب في العلاقات الدولية.
لو تضعنا في آخر التطورات التي تشهدها قضية الصحراء الغربية؟
كما قلت أعلاه هناك مسلسل اممي أفريقي لحل النزاع في الصحراء الغربية منذ 1991. وللأسف عرف تعثرات كثيرة بسبب التدخل الفرنسي، حيث أن باريس تمارس كافة الضغوط منذ السبعينات لإنجاح مساعي المغرب في التوسع على حساب جيرانه دون استثناء، خاصة في الصحراء الغربية. حاليا، قدم آخر مبعوث شخصي للأمين العام الأممي للصحراء الغربية، الرئيس الألماني الأسبق هورست كوهلر استقالته كوسيط في شهر مارس 2019، وهو ما يعتبر فشلا جديدا للأمم المتحدة، حيث أن غالبية الوسطاء السابقين استقالوا أيضا، وهو وسطاء من الحجم الكبير مثل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جيمس بيكر، والدبلوماسي الأمريكي كريستوفر روس، والدبلوماسي الهولندي والسوم، ناهيك عن عدد كبير من أعضاء بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية (المعروفة اختصارا باسم المينورسو) الذين اشتكوا مرارا وتكرارا من العراقيل المغربية للسلام. وبطبيعة الحال، يمكن القول أن طبيعة صناعة القرار في الأمم المتحدة، وسيطرة الخمسة الكبار عليها هي بالأساس أحد العراقيل التي تواجه حل النزاعات على العموم، وقضية الصحراء الغربية بالخصوص، ففي الحالة الصحراوية، تقف فرنسا، التي تمتلك حق النقض، حجرة عثرة حقيقية أمام أي حل سلمي وعادل للنزاع.
وماذا عن آخر التطورات في مسلسل السلام الأممي-الافريقي؟
المسلسل، طال أكثر من اللازم، ودخل خلال السنوات القليلة الماضية في سلسلة من جولات التفاوض التي لم تفض إلى أية نتائج ملموسة، بسبب إصرار الرباط على التماطل، وعلى مواصلة سياساتها الاستعمارية المؤسفة في الصحراء الغربية. لكن هناك ضغوط تمارس من قبل بعض القوى الدولية على كل حال من أجل حل النزاع لأنه نزاع إقليمي يؤثر بشكل أو آخر على استقرار منطقة شمال أفريقيا، ولكن أيضا يؤثر على جهود دول المنطقة ومنطقة الساحل في مواجهة ظواهر خطيرة مثل الإرهاب، واللا استقرار العام السائد في دول الساحل وجنوب الصحراء.
فيما يتلخص موقف القوى المؤثرة دوليا في هذا الملف، مثل الولايات المتحدة الامريكية، روسيا والاتحاد الاوروبي؟
بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية نلاحظ مؤخرا توجها جديدا في الاهتمام بالقضية الصحراوية قاده موقف مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، جون بولتون، الذي يريد التخلص من جميع بعثات السلم والأمن الأممية التي تستنزف خزينة المنظمة الدولية دون نتيجة، مثل بعثة المينورسو القائمة في الصحراء الغربية منذ 28 سنة، والتي استنزفت أزيد من مليار ونصف دون فائدة، لكن على العموم يمكن القول أن الولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر قضية الصحراء الغربية ضمن النفوذ الفرنسي، ولذلك لا تتدخل فيها كثيرا بالنسبة للموقف الروسي، نلاحظ تمسكا بتطبيق القانون الدولي، وهو ما ينسجم مع إرادة الروس في تفادي ترك الحبل على الغارب في العلاقات الدولية التي تريد قوى غربية فرض إرادتها فيها حتى ولو كان ذلك على حساب القانون الدولي. أما الاتحاد الأوروبي فهو يعتمد سياسة قلوبنا مع علي وسيوفنا مع معاوية، فمن جهة هناك تضامن كبير في الأوساط الأوروبية مع حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، ولكن بالمقابل نرى بعض الدول الأوروبية متورطة هي نفسها مع المغرب في نهب الثروات الطبيعية للبلد، وهو ما أدانته محكمة العدل الأوروبية في قرارين واضحين لها سنتي 2016 و 2018. إذا حتى الساعة يمكن القول أن لغة التجاهل، والتماطل وانتهاك القانون والمبادئ الدولية هي السائدة في مواقف الكثير من القوى الدولية، تماما مثلما هو الحال في حالات مماثلة كفلسطين، وفي حالات نزاعات أخرى حيث ينتهك القانون الدولي دون وازع.
كثيرا ما نسمع الصحراويين يتهمون فرنسا بالمسؤولية في النزاع ..ما هو الدور الذي تلعبه فرنسا في قضية الصحراء الغربية؟
فرنسا لم تتخلى يوما عن أحلامها الاستعمارية في القارة الأفريقية، ولم تتخلى عن إرادتها في السيطرة بالخصوص على الشمال والغرب الأفريقيين. ولذلك تدعم المغرب في احتلاله للصحراء الغربية، ودعمته سياسيا وعسكريا واقتصاديا من أجل تحقيق ذلك. إذا الموقف الفرنسي كما هو لم يتغير، بل ازداد شراسة الآن لأن فرنسا تعيش أزمة نظام، وأزمة اقتصادية خانقة تعرفونها جميعا. أكثر من ذلك فرنسا بدأت تستشعر فقدانها وزنها الدولي، وتحس بخطر انتزاع مستعمراتها الإفريقية منها من قبل الصين وقوى أخرى، وبدون هذه المستعمرات، لن تختلف فرنسا في أي شيء عن اسبانيا أو البرتغال. يعني ستعود لحجمها الحقيقي الذي يحدده حجم اقتصادها المتواضع مقارنة بألمانيا أو اليابان أو بريطانيا، وقد تسقط للرتبة الخامسة عشرة أو أقل من ذلك في حالة تحقيق 18 دولة أفريقية استقلالها الفعلي من النهب الفرنسي الحالي الذي يدر حسب بعض الاقتصاديين حوالي نصف تريليون دولار سنويا على باريس. وهذا ما لا تريده فرنسا، لذلك أرغمت المغرب مثلا على الانضمام للاتحاد الأفريقي سنة 2017، ولذلك تدفع المغرب للعب دور اليد اليمنى لها في مجموعة دول الغرب والوسط الأفريقي الفرنكوفونية، لكن المشكلة التي تواجهها فرنسا والمغرب هي وجود الدولة الصحراوية في طريق امتداد المغرب الجغرافي نحو الغرب الأفريقي والساحل. يعني بكلمة أخرى، نحن كشعب وكقضية نقف عقبة أمام حلم الإمبراطوية الاقتصادية الفرنسية، مثلما وقف أجدادنا الذين واجهوا المد الفرنسي في القرن التاسع عشر ضد حلم الإمبراطورية الاستعمارية آنذاك. فدون الصحراء الغربية ينبغي الانتباه إلى أن المغرب سيكون مجرد بلد صغير جغرافيا، فقير من حيث الثروات الطبيعية، ومحتجز في الركن الشمالي الغربي من القارة دون أي عمق أفريقي حقيقي. وهو ما يضعف مركزه الجيوستراتيجي.
تتهم المملكة المغربية الجزائر بأنها هي من تحرك جبهة البوليساريو وهي من اختلق النزاع.. ما هي برأيكم، حقيقة الموقف الجزائري في ملف الصحراء الغربية؟
بطبيعة الحال يحاول المغرب ذر الرماد في عيون المتابعين، خاصة من لا يعرف حقيقة النزاع وتاريخه. فجبهة البوليساريو قد تأسست منذ سنة 1973، ولم تحظى باعتراف أو دعم الجزائر إلا نهاية سنة 1975، وعمليا سنة 1976 حينما اضطرت الجزائر لاتخاذ موقف بشأن الغزو العسكري المزدوج المغربي الموريتاني الذي تسبب في حالة خطيرة من تشريد آلاف المواطنين الصحراويين، الذين لم يجدوا منفذا آمنا إلا إلى الجزائر، البلد الجار الوحيد الذي لم يهاجم الصحراويين ولم يرتكب مجازو ولا جرائم حرب ضدهم. وهنا على الجميع أن يفهم أن آلاف المدنيين الصحراويين، من النساء والأطفال والعجائز، وجدوا أنفسهم منذ نهاية شهر اكتوبر 1975 في مواجهة الجيشين المغربي والموريتاني، وتعرضوا للقصف بالنابالم، والفسفور الأبيض آنذاك، ما اضطرهم للهرب بحثا عن النجاة بأرواحهم تاركين كل شيء خلفهم. هناك ضحايا فقدوا أبناءهم وأفرادا من عوائلهم أثناء هذه الفترة المظلمة من الغزو، ولولا وجود الكيلومترات القليلة من الحدود مع الجزائر، التي لم تشترك في العدوان، لكانت المجزة رهيبة. هذا بالنسبة للموقف الإنساني، أما بالنسبة للموقف السياسي، فذنب الجزائر الذي لا يستطيع المغرب غفرانه هو أنها رفضت المشاركة في الجريمة، لأن الحسن الثاني عرض إشراك الجزائر في اقتسام الصحراء الغربية، غير أن الرئيس الهواري بومدين رفض ذلك وصرح مرارا وتكرارا أن الجزائر ليست لها أية مطالب ترابية في الصحراء الغربية، ولذلك اعتمدت الجزائر الموقف الأفريقي من القضية حتى قبل المشكل أي منذ الستينات (وبالمناسبة هو نفس موقف المغرب آنذاك قبل أن يتغير بداية السبعينات)، ودعمت وتدعم جهود الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، لكنها تتميز عن بقية الدول بحكم جوارها من الصحراء الغربية الذي جعلها أيضا أرضا تستقبل لاجئين صحراويين لم يجدوا غيرها ناصرا في محنتهم. وبالمناسبة، فكلا الموقفين الأفريقي والأممي يقولان أن الصحراء الغربية بلد محتل، وأن المغرب قوة احتلال، وأن هناك شعبا اسمه الشعب الصحراوي لديه حق غير قابل للتصرف في تقرير المصير، وذنب الجزائر أنها تدعم هذين الموقفين تماما كما تدعمه غيرها من الدول الأفريقية الكبيرة التي تحترم نفسها خاصة جنوب أفريقيا، ونيجيريا، وكينيا، ودول الجنوب الأفريقي على العموم، وأيضا دول أخرى مثل السويد، والدول الاسنكندنافية، ودول أمريكا اللاتينية الكبرى وغيرها. لكن الدعاية المغربية بالطبع تحاول التشويش على الرأي العام الدولي، والعربي بالخصوص، وتستغل تاريخ عدائها للجزائر لاتهامها بأن دعمها الصحراويين هو عدوان على المغرب. وأعتقد أن هذا الكلام غير منطقي، وحتى لو راجعنا التاريخ سنكتشف أن النظام العدواني الحقيقي في المنطقة كلها هو النظام المخزني في المغرب، فهو الذي حاول غزو المنطقة الجنوبية الغربية من الجزائر سنة واحدة بعد استقلال الأخيرة (حرب الرمال)، وهو الذي رفض الاعتراف باستقلال موريتانيا عقدا كاملا مدعيا أن موريتانيا مغربية، وهو الذي غزا الصحراء الغربية وتواطأ مع اسبانيا للقضاء على الصحراويين من أجل السيطرة على ثرواتهم وأرضهم، وهو الآن من يتسبب في المشاكل لكل المنطقة بتجارة المخدرات التي تؤكد التقارير الأممية أنه أكبر منتج للقنب الهندي في المنطقة وفي العالم. والجميع يدرك ذلك، لكن الأوربيين يسايرون المغرب خوفا من انفجار الوضع في حدودهم الجنوبية، وخوفا من مشاكل الهجرة بالأساس. إذا، بخلاصة، يمكن القول أن الموقف الجزائري موقف عادي جدا، منسجم مع القانون الدولي والأفريقي، فلماذا تؤاخذ على ذلك؟ وهل ينبغي على الجزائر أن تساند انتهاك المغرب للقانون الدولي، ولحقوق الإنسان حتى تحظى بالقبول؟ هذا لعمري منطق لا يستقيم.
لماذا لا يقبل الصحراويون بالمقترح المغربي المتمثل في الحكم الذاتي؟ وفيما تتمثل الرؤية الصحراوية للحل؟
أولا، كيف يمكن للمغرب أن يعطي الصحراويين ما لا يملك؟ الصحراء الغربية، باعتراف الجميع، حتى فرنسا التي تدعم المغرب، هي إقليم مستعمر لا يملك المغرب أي سيادة عليه، هذا ما خلصت إليه محكمة العدل الدولية سنة 1975 بحضور المغرب وفي غياب الصحراويين، وهذا ما تؤكده جميع قرارات الأمم المتحدة، أن الصحراء الغربية ليست ملكا للمغرب، بل مالكها الشرعي والوحيد هو الشعب الصحراوي، صاحب السيادة الحصرية عليها، وهذا ما جددت التأكيد عليه محكمة العدل الأوروبية في حكمين متتالين سنتي 2016 و 2018، حين قالت أن المغرب والصحراء الغربية بلدان متمايزان وأن المغرب لا يملك السيادة عليها. إذا تقديم المغرب للحكم الذاتي للصحراويين غير شرعي وغير ممكن قانونا. الأمر الثاني، أن الصحراويين قد اختاروا إقامة دولتهم منذ سنة 1976، لكنهم، ورغبة في السلم، قبلوا الوساطة الأممية لإعطاء المغرب فرصة الخروج من وضعية المحتل الغاشم بحفظ ماء وجهه عن طريق الحل الديمقراطي، والقانوني الذي تقترحه مبادئ الأمم المتحدة، والمتمثل في حق الشعوب في تقرير مصيرها عبر الاستفتاء. وفي هذا الإطار، سمح الصحراويون للمغرب أن يطرح فكرته للحكم الذاتي كخيار من جملة خيارات في حالة تنظيم الاستفتاء، وعندها تترك الكلمة الفصل للشعب الصحراوي: إذا صوت للاستقلال، فليكن له ذلك، وإن صوت للحكم الذاتي أو حتى الانضمام للمغرب، فليكن له ذلك أيضا. أما محاولة فرض الحكم الذاتي كحل وحيد غصبا، فهذا هو الظلم، والقهر واغتصاب القانون بعينه، ولن يمر ولا حتى على جثثنا كصحراويين.
هل يمكن لدولة صحراوية ان تعيش بحجمها الصغير في رحابة الاستقلال في الوقت الذي تبحث فيه الدول عن تكتلات اقليمية ودولية للبقاء؟
أولا، قد يكون الحجم الصغير للجمهورية الصحراوية أحد مقومات قابليتها للحياة كدولة مستقلة وغنية، لأن شعبها صغير لكن خيراتها كثيرة وأرضها غنية وكبيرة. هذا مثلا ما أكده صندوق النقد الدولي في السبعينات حين توقع أن تكون الصحراء الغربية نظرا لهذه المعطيات أغنى من الكويت في شمال أفريقيا. ولكن، ينبغي أيضا الأخذ بعين الاعتبار أن الجمهورية الصحراوية عضو في التكتل القاري الاتحاد الأفريقي، وهي عضو فعال وكامل العضوية في هذا الاتحاد، وتساهم فيه رغم ظروفها مثلها مثل بقية البلدان، بل وتعتبر أفضل من الكثير من هذه البلدان المستقلة منذ عقود. ثالثا، ينبغي الانتباه أيضا إلى أن الجمهورية الصحراوية بعد استكمالها السيطرة على كافة أراضيها، ستتمكن من الانضمام إلى الاتحاد الاقليمي المغاربي، وهو توجه تعلنه القيادة الصحراوية التي لم تتنكر قط لمحيطها رغم الجحدان المجحف الذي تعرضت له من بعض الدول المغاربية والعربية التي دعمت وما زالت الغزو العسكري المغربي وجرائم الحرب المغربية ضد الشعب الصحراوي بالمال والسلاح والدعم السياسي للأسف الشديد.
ما هي، في نظركم، السيناريوهات المستقبلية الممكنة لحل النزاع في الصحراء الغربية؟
هناك مجموعة سيناريوهات محتملة، الأول هو اندلاع المواجهة العسكرية من جديد بين المغرب وجبهة البوليساريو بسبب فشل الأمم المتحدة في حل النزاع، وهو السيناريو الذي لا نتمناه قطعا لأنه سيرمي بالمنطقة برمتها إلى حالة خطيرة من عدم الاستقرار قد تسقط أنظمة، وعلى رأسها النظام المغربي، وتخرب أقاليما برمتها، وتفسح المجال واسعا للفوضى والجريمة المنظمة في الدول المجاورة. السيناريو الثاني هو أن تنجح الأمم المتحدة في إقناع الطرفين بحل النزاع بالطرق الدبلوماسية والقانونية، وسيعني ذلك نجاحها إما في تنظيم استفتاء لتقرير المصير أو نجاحها في إقناع المغرب بضرورة وقف سياسته التوسعية، وإفساح المجال للجمهورية الصحراوية لاستكمال سيادتها على كافة أراضيها بما فيها الواقعة الآن تحت الاحتلال العسكري المغربي ووضع حد للنزاع والشروع في التفكير في مستقبل المنطقة حسب ترتيبات جديدة عنوانها التعاون المشترك، والتنمية المشتركة والعلاقات الأخوية. السيناريو الثالث هو أن يستمر الوضع على ما هو عليه دون تغيير، وهو على كل حال وضع غير قابل للاستمرار طويلا، وفي حالة انفجاره لا أحد يستطيع التكهن بمدى تأثيرها على المنطقة.
ألا تكفي 44 سنة من المعاناة لتقنع الصحراويين بمراجعة موقفهم والقبول بحل يرضي المغرب بشرط إنهاء الوضع؟
سيكون ذلك كما أسلفنا خطيرا ليس فقط على القانون الدولي والافريقي، ولكن على مستقبل العلاقات الدولية، وسيعني أن أي دولة قوية يمكنها مستقبلا أن تحتل جيرانها وتفرض عليهم الاستسلام بعد عقود من الوضع المفروض. إذا ما يقوم به الشعب الصحراوي حاليا هو مقاومة باسم جميع الشعوب، لأنه يدافع عن حق مستحق لجميع الشعوب، ورغم معاناته، وما سيعانيه مستقبلا في سبيل ذلك إلا أن المقاومة، والثبات في الدفاع عن الحق والعدل هو الخيار الصائب والوحيد المقنع الذي سيختاره حتما. أما الاستسلام فليس خيارا للشعب الصحراوي الذي لم يعرف التاريخ عنه الخنوع للغزو، ولا للقهر ولا للظلم. كما أن سكوت بقية الشعوب عن هذا الظلم، سيجعلها تدفع ثمنه مستقبلا بالتأكيد على رأي المثل العربي: “أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض”./ المصدر: الصحراوي
لمتابعة الحوار من مصدره الأصلي، اضغط هنــــــــــــــــــــــا